الأحد، 20 نوفمبر 2011


ثانوية الجولان التأهيلية المستوى : ثانية باك مادة الفلسفـــــة
ذ: الحناوي

مفهوم الغير


الاطار الشكالي
إن الانسان ليس شخصا معزولا، إنه موجود ليعيش مع الاخرين، فالآخرين يوجدون الى جانبه من اجل تحقيق غايات مشتركة. ثم إن تحليل بعض المشاعر الإنسانية كالحب والكراهية مثلا يدعونا الى الانتباه الى اهمية حضور الغير في إحداث هذه المشاعر لدى الشخص. بل يمكن القول ان أفكارنا ولغتنا وممارستنا لا تاخذ معناها إلا أذا إفترضنا حضور ذوات أخرى نتوجه إليها ونتواصل معها.
وتعتبر إشكالية الغير إشكالا فلسفيا حديثا بدأ مع هيغل في القرن 19 فاصبح الغير ينظرإليه كأنا آخر أي الآخر العاقل إنه"الأنا الذي ليس انا":إنه انا واعية تشبهني لكنها ليست أنا فهي تختلف عني.
ينتج عن هذه الدلالات ان مفهوم الغير يتضمن مفارقة غريبة تدفعنا إلى التساؤل كالتالي:
-هل وجود الغير ضروري لادراك الشخص لهويته؟ هل وجود الغير تهديد للأنا ام شرط لوجودها؟
-هل يمكن معرفة الغير؟ هل معرفة الأنا للغير ممكنة ام مستحيلة؟
-ما هي أوجه العلاقة بالغير؟ هل هي علاقة سلبية(صراع) أم إيجابية(صداقة)؟وهل العلاقة بالغير ضرورية رغم أنها تأخد بعدا سلبيا صراعيا؟

المحور الاول: وجود الغير
إشكال المحور: هل وجود الغير ضروري لإدراك الذات لذاتها؟
تصور ديكارت:
لا يعطي ديكارت أية أهمية لوجود الغير في مسألة وعي الذات ، ذلك أن فلسفة ديكارت تقوم على الكوجيتو، الذي ينطلق من شك الأنا المفكرة في جميع الموجودات مما يضعها في مقابل العالم والآخرين باعتبارها المصدر الوحيد للمعرفة، فتعيش بذلك الذات عزلة أنطولوجية (وجودية) مطلقة، حيث لا تحتاج إلى وساطة العالم الخارجي والآخرين لمعرفة ذاتها وإدراك هويتها. يقول ديكارت:"أنا أفكر إذن أنا موجود" بمعنى أن وجود الأنا يقيني مادام في وسعه أن يفكر ويشك في كل شيء بكل حرية. وبالتالي فالذات المفكرة مستقلة تماما عن وجود الغير أو الذوات الأخرى ، وجودها لا يتوقف على وجود الغير بل العكس يصبح وجود الغير متوقف على حكم الأنا المفكرة.
نستنتج إذن من خلال تصور ديكارت، أن الأنا وحيدة مستقلة- يقول "أنا وحدي موجود- لأن وجودها وحده اليقيني والضامن لجميع المعارف، أما وجود الغير يظل وجودا افتراضيا قابلا للشك و الإحتمال. هكذا يعتبر وجود الغير غير ضروري لإدراك الذات لذاتها، لأن الوعي هو حضور الذات أمام نفسها دون الحاجة إلى ما هو خارج الذات. يقول ديكارت: "كل موضوعات معرفتي هي أفكار في عقلي".

تصور هيغل
ضدا على الموقف الديكارتي الذي يلغي ضرورة وجود الغير بالنسبة للذات، أقام هيغل فلسفة للوعي تعطي حضورا متميزا للغير، ذلك أن الوعي الذي تشكله الذات عن نفسها لا يتحقق كوعي منغلق على نفسه متسم بالسكون و مفارق للعالم والآخرين، بل إن الوعي شيء ينمو ويتطور في علاقة بالغير والعالم الخارجي. فالإنتقال إلى مستوى الوعي بالذات يقتضي سعي الإنسان الى الإعتراف به من طرف الغير،غير أن هذا الإعتراف ليس هبة يمنحها الغير للأنا، بل ينتزع عبر صراع بين الطرفين حتى استسلام احد الطرفين، بتفضيله الحياة على الموت، وبذلك تنشأ العلاقة الإنسانية الأولية علاقة السيد بالعبد وهذا معناه أن الأنا لاتكتسب وعيا بالذات إلا على حساب وعي آخر بالذات(الغير): فالسيد بحاجة إلى عبد يعترف بنفسه كعبد ويعترف به كسيد.
إن الموقف الهيغلي إذن يؤكد انه رغم ان العلاقة بالغير هي علاقة صراع، إلا أنها تبقى ضرورية لادراك الذات لذاتها.
تصور سارتر
عكس التصور الديكارتي يدعم سارتر الموقف الهيغلي مؤكدا بدوره على ضرورة وجود الغير بالنسبة للذات لكن بطريقة وجودية مغايرة لفلسفة هيغل: حيث انطلق سارتر من تحليل الخجل كشعور غير مباشر بالذات موضحا ان الخجل في تركيبه قصدي أي انه وعي بشيء ما وهذا الشيء هو الذات، غير أن الخجل كوعي بالذات لا يتحقق عبر التأمل الباطني المجرد بل يشترط وجود الغير، فمثلا عندما أقوم بحركة غير لائقة، لا احكم على نفسي ولا ألومها بل أعيش تللك الحركة بتلقائية وحرية، ولكن عندما اكتشف ان احدهم يراقبني، أخجل، اخجل من نفسي لاني في تلك اللحظة اتحول إلى موضوع فأدرك ماقمت به من حركة سوقية.لأنه لولا وجود الغير، لما أصبح بإمكاني أن أصدر حكما على نفسي كما لو كانت موضوعا.
يرى سارتر إذن ان وجود الغير ضروري لكي أتوصل الى اي حقيقة كيفما كانت حول ذاتي إذ لابد لي ان أمر عبر الغير. يقول سارتر:"إن الآخر لا غنى عنه لوجودي، كما لاغنى عنه في معرفتي لنفسي"
ورغم أن الغير يشكل تهديدا لحرية الأنا وتلقائيتها، إلا أن وجوده ضروري لوعي الشخص لذاته، يقول سارتر "أنا في حاجة إلى الغير لأدرك إدراكا كاملا كل بنيات وجودي".
خلاصة تركيبية
نخلص مما سبق أنه إذا كان ديكارت يرى أن الذات الواعية لاتحتاج إلى وجود الغير لادراك نفسها،فإن كل من هيغل وسارتر يوجدان على الطرف النقيض من ذلك،حيث يتفقان على أهمية حضور الغير بالنسبة للشخص:فوعي الذات لايتحقق كوعي منغلق يطبعه التأمل،بل إن" الوعي قصدي" كما قال هوسرل، اي أن" الشعور هو شعوربشيءما."وعليه فالعالم والاخرين هما الوسيط الذي لاغنى عنه لوعي الذات.
لكن ان كانت معرفة الأنا لذاتها تمر عبر الغير، فهل يعني ذلك أن معرفة الغير ممكنة؟

المحور الثاني: معرفة الغير
إشكال المحور:هل يمكن معرفة الغير؟
تصور جون بول سارتر:
إن افتراض قابلية الغير للمعرفة، يترتب عنه مباشرة أن الغير موضوع objet . أي أن إخضاع الغير للمعرفة،أو نشاط الأنا المفكرة، يحول الغير إلى مجرد شيء يفتقر إلى صفات الأنا كالوعي والحرية والإرادة والتلقائية. غير أن الغير كما يعرفه سارتر هو الأنا الذي ليس أنا أي أنه ليس موضوعا بل هو أنا واعية مثلي لكنها تختلف عني لأنها ليست أنا.
فهل يمكن النظر إلى الغير بوصفه ذاتا واعية ؟ يرى سارتر أن الغير لا يتجلى للأنا إلا بإعتباره شيئا في ذاته أي جسما خارجيا بالنسبة إلى جسم الأنا، كما هو الحال بالنسبة للاشياء الاخرى التي لاتربط بينها أية صلة،مما يعني أن هناك عدم أو هوة تفصل بين الأنا والغير. ومن تم فالكيفية الوحيدة التي يمكن أن ينكشف الغير بها لي، هي ان يتجلى لمعرفتي كموضوع. ذلك أن الأنا الواعية لا يمكن الوصول إليها،لأنها تختفي بمجرد النظر إلى الغير، لان النظر le regard إلى الغير يشيئه. فحينما يكون إنسان وحده (طفل مثلا) يتصرف بعفوية وحرية، وما إن ينتبه الى وجود أحد آخر ينظر إليه أو يراقبه، حتى تختفي تلقائيته ويتوقف عن الحركة، ولعل هذا ما دفع سارتر إلى القول: "الجحيم هو الآخرون".
نستنتج إذن أن معرفة الغير تظل مستحيلة لان العلاقة المعرفية بالغير تصبح علاقة تشيء وإستيلاب بحيث تنتفي إمكانية معرفة الغير كأنا آخر، أي كذات واعية حرة ومريدة.





تصور موريس ميرلوبونتي
إذا كان سارتر يقول بإستحالة معرفة الغير كأنا آخر،فإن ميرلوبونتي ينتقد الفكرة القائلة بان العلاقة بين الانا والغير قائمة على التشييء والنفي ،فالانا لا يحول الغير الى موضوع كما أن الغير لايحول الأنا الى موضوع ولا ينفيه إلا حينما تتقوقع الأنا المفكرة على نفسها. وهذه الوضعية يمكن تجاورها عندما يدخل الأنا والغير في علاقة تواصل واعتراف متبادل. فحينما تخرج الذات من أناها المفكرة وتنفتح على الغير ناظرة إليه نظرة إنسانية تتقبل وتتفهم أفعاله تصبح معرفة الغير في هذه الحالة ممكنة. وهذا ما وضحه ميرلوبونتي قائلا انه إذا ما ربطتني صلة بشخص مجهول لم ينطق بعد بكلمة، فإني لا استطيع التعرف عليه ولكن ما أن ينطق بكلمة حتي يكف عن التعالي علي : هو ذا صوته هي ذي أفكاره ها قد بدأت أعرف من يكون.

ولكن هل يمكن للتواصل مع الغير أن يحل معضلة معرفة الغير؟
ان القول بان التواصل مع الغير هو السبيل لمعرفته يبقى قولا نسبيا، لأنه حتى في حالة تحقيق تواصل وجداني بين الأنا و الغير، فان هذا التواصل لايصل الى مستوى المشاركة الفعلية للحالات الشعورية التي يعيشها الغير: فأنا مثلا أستطيع أن أشاطر صديقي حزنه أو فرحه ولكني لا أملك أن أحيا نفس حالته النفسية المترتبة عن الحزن أو الفرح. ، إذ أشارك الغير في مشاعره على نحو خارجي فقط، فتصبح بذلك معرفتي بالغير معرفة خارجية لان الغير يتبدى للانا كجسد تختفي وراءه الأفكار والمشاعر والنوايا ومادامت النفس المفكرة هي جوهر الإنسان، فان معرفة الغير كأنا تبدو مستحيلة.
ولكن هل من الضروري أن يغوص الأنا في اعماق نفس الغير كي يشكل عنه معرفة؟ ألا يمكن فهم سلوكات الغير وما يصدر عنه من تعابير انطلاقا من قياسها على ماتصدره الذات من سلوكات؟
إذا سلمنا بأن الغير مشابه للأنا،ألايمكن الإستدلال بالمماثلة لمعرفة الغير؟ مما يتيح إمكانية معرفة الغير من خلال العودة إلى الذات وقياس أفعالها على أفعال الغير وتعابيره، حيث ندرك مباشرة من ابتسامة إنسان مثلا سروره، وفي احمرار وجهه خجله..إلخ.
إلا أن الإستدلال بالمماثلة لتفسير أفعال الغير انطلاقا من افعال الذات يمكن أن يفضي بنا إلى نوع من الإسقاط، أي إسقاط ما ينتمي الى الأنا على الغير، مما يغيب الإختلاف بين الأنا والغير. ثم أن تفسيرات سلوكات الغير بمماثلتها مع سلوكات الذات أمر يقتضي معرفة الذات معرفة تامة، فهل يستطيع الأنا معرفة ذاته فعلا؟




المحور الثالث: العلاقة بالغير إشكال المحور:ان العلاقة بالغير أعقد وأغنى من أن تخترل الى علاقة معرفة،فهي علاقة مركبة يتدخل فيها المعطى الأخلاقي والعاطفي الوجداني مما يجعلها تختلف بإختلاف الغير نفسه غريبا ام قريبا.فما هي اوجه العلاقة بالغير؟ هل هي علاقة صراع ام صداقة ومحبة؟
العلاقة السلبية بالغير
إن الغير الغريب يوحي عادة بمشاعر النفور و الخوف والكراهية والعداء ومن تم يواجه الغريب بالإقصاء والتهميش او المحاربة أحيانا ويتشخص في الأجنبي والدخيل والمهاجر المختلف ثقافيا وعرقيا ودينيا.
وبالعودة الى التصور الهيغلي نستطيع القول ان العلاقة بالغير هي علاقة صراع لاتقوم على أية صداقة اومحبة او حتى شفقة وإنما على مبدأ الهيمنة والإستعباد،فالأنسان إما سيدا وإما عبدا، وهو لايخرج عن هذه العلاقة التراتبية القائمة على الصراع من أجل نيل الإعتراف و فرض الهيمنة باستسلام احد المتصارعين بتفضيله الحياة على الموت معترفا بالآخر كسيد وبالذات كعبد لذلك السيد
هكذا فالإنسان يتشكل وعيه بالذات على حساب الأخر أي على حساب اعتراف الأخر به .
ولعل هذا ما أكده سارتر حيث انه يرى ان العلاقة بالغير هي علاقة سلبية يطبعها التشييء والنفي ولذا يقول:"الجحيم هوالآخرون" بمعنى أن الغير هو بمثابة عدو خفي يفقد الذات حريتها وتلقائيتها ويحولها الى مجرد موضوع فاقد لمقومات الحرية والقيمة والإرادة.
وتجدر الإشارة إلى أن كل من سارتر و هيغل يعتبران أن علاقة الأنا بالغير رغم سلبيتها تظل ضرورية جدا بالنسبة للذات.
العلاقة الإيجابية بالغير
اذا كان هيغل وسارتر يؤكدان على ان العلاقة بالغير هي علاقة صراع و تشيء، فإن ميرلوبونتي يرى عكس ذلك:إذ يؤكد أنه لا يمكن فهم علاقة الأنا بالغير إلا من خلال التعاطف و التواصل سواء كان تواصلا مباشرا أو غير مباشر .فالغير لا ينظر إليه كموضوع بل كإنسان يجب ان تفهم وتقبل أفعاله. فالتواصل يقوم مقام العلاقة الموضوعية التشيئية وعن طريق التواصل يتشكل اعتراف بهما معا وليس احدهما ضد الاخر فينتفي العدم الفاصل بينهما. ثم إن من يتفحص الوجود البشري يجد انه وجود مع الذوات الاخرى كما يرى هايدغر فنحن نتقاسم العالم مع الآخرين ووجودنا هنا هو وجود مع الغير ولأجله ومن تم فعلاقة الانا بالغير هي علاقة وجود و مشاركة.
وفي نفس الإتجاه أكد الفيلسوف اليوناني ارسطو أن الإنسان بما هو مدني بطبعه يميل الى الانفتاح على الأخرين قصد بناء مجتمع انساني يحقق السعادة والفضيلة هكذا تقوم بين الناس علاقات إنسانية نبيلة تسمى الصداقة ، فالإنسان مهما كانت مرتبته أو سنه هو في حاجة الى اصدقاء لذلك فماهية العلاقة التي تربط الانسان بالآخرين إنما هي الصداقة التي تنقسم الى ثلاث أنواع : صداقة المنفعة ، صداقة المتعة و صداقة الفضيلة التي يعتبرها ارسطو الصداقة الحقيقية لانها قائمة على الخير.
وترد جوليا كريستيفا بشدة على أولائك الذين يقولون بان الغير الأجنبي يجب نبذه ومحاربته لأنه يشكل خطرا على تماسك الجماعة وثقافتها،بقولها "ان الغريب يسكننا على نحو غريب"بمعنى أن الغريب ليس دائما الأجنبي بل الغرابة قد تتشخص في علاقتنا بذاتنا، بل هي أحد مكوناتنا النفسية
قد تدخل في شكل ماض لاشعوري يعاود الظهور في شكل غرابة مخيفة.و لذلك لاينبغي ـ حسب كريستيفا ـ إقصاء الغير بل ينبغي إدماجه و التعامل معه في إطار الإحترام والحوار والتسامح لانه كائن مشابه لنا.









الشخص
مقدمة
يعتبر الشخص حاصل جمع السمات المميزة للفرد الذي ما هو إلا كيان سوسيو-سيكولوجي متشابه مع الآخرين.ورغم تعدد وتنوع بل وتعارض الحالات النفسية التي يمر منها الشخص طيلة حياته إلا أن كل واحد منا يحيل باستمرار إلى نفسه بضمير "أنا" بوصفه هوية تظل مطابقة لذاتها على الدوام. غير أن هذه الهوية التي تبدو بديهية تطرح مع ذلك أسئلة عديدة.
هل تقوم هوية الشخص على الوحدة والتطابق أم على التعدد والتغير؟
المحور الأول: الشخص والهوية.
يبدو واضحا أن تحديد هوية الشخص استنادا على المظهر الخارجي للشخص أو حتى على مجموع مميزاته سواء المتعلقة بالجنس والعمر والعمل ...ضربا من ضروب المستحيل لكون كل هذه الاعتبارات متغيرة وبالتالي غير قارة وثابة.
ولهذا السبب كانت ضرورة مقاربة هذه الهوية من خلال ما هو قار وثابت في الشخص باعتباره نظاما.
حسب لاشوليي المحدد الرئيسي للشخص هو هويته،أي تطابقه مع ذاته وبالتالي تميزه عن غيره. أما وحدته النفسية عبر جل مراحل حياته فهي الضامن لهذه الهوية،لأنهما ليستا نتاجا تلقائيا،بقدر ما أنهما نتاج لآليات ربط وهي آليات نفسية تقوم بمهمة السهر على وحدة الشخص وتطابقه.أولها وحدة الطبع أو السمة العامة للشخصية في مواقفها وردود فعلها تجاه الآخرين.وعلى هذا النحو يرى لاشوليي أن كل من وحدة الطبع أو السمة العامة للشخصية هي ضمان هويتها إلى جانب الذاكرة التي اعتبرها آلية ضرورية لربط حاضر الشخص بماضيه القريب أو البعيد.
أما ديكارت فيذهب إلى تأكيد أهمية الفكر في بناء الشخصية وفهم حقيقتها، فالفكر صفة تخص الذات الإنسانية وهي وحدها لصيقة بها. والتفكير هو الشرط الضروري للوجود .
إذن أساس هوية الشخص هو التفكير الذي يعتبر مناسبة لحضور الذات أمام نفسها وإدراكها إدراكا مباشرا لكل ما يصدر عنها من أفعال والتي تبقى رغم تعددها واحدة وثابتة .
لكن جون لوك يعطي تعريفا للشخص باعتباره ذلك الكائن المفكر والعاقل القادر على التعقل والتأمل حيثما كان وأنى كان ومهما تغيرت الظروف، وذلك عن طريق الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة وبشكل مستمر دون حدوث أي تغير في جوهر الذات، فاقتران الشعور بالفكر على نحو دائم هو ما يكسب الشخص هويته ويجعله يبقى دائما هو هو، باعتباره كائنا عاقلا يتذكرأفعاله وأفكاره التي صدرت عنه في الماضي وهو نفسه الذي يدركها في الحاضر .
إن مفهوم الشخص حسب جون لوك يتخذ عنده بعدا أخلاقيا /قانونيا، فالشخص الذي يتحدث عنه لوك هو ذاك الكائن المفكر الذي يعقل ذاته وأفعاله مهما تغيرت الظروف وتوالت الأزمان، وبالتالي يكون عن طريق الوعي مسؤولا مسؤولية قانونية عن كل ما يصدر عنه من أفعال. من هنا فأساس هوية الشخص حسب جون لوك هو الشعور الذي يجعل الإنسان يدرك ذاته ويبني معرفته بذاته على نحو دائم فيصبح الشخص إثرها هو هو رغم ما يلحقه من تغير . والذاكرة التي هي امتداد للشعور عبر.
المحور الثاني:الشخص بوصفه قيمة.
لا يختلف اثنان عن أن الإنسان كائن مميز بين كل الكائنات الأخرى ،فهو الكائن الأكثر جدلا كما جاء في القرآن الكريم(ولقد صرفنا في هذا الكتاب من كل شيء وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) وميزته تكمن في مدى بعده القيمي الذي حظي به. لكن أين تكمن قيمته؟هل تكمن في كونه غاية أم أنه لا يعدو يكون مجرد وسيلة؟
في هذا الصدد يختزل مونييه تصوره للشخص ككيان يتميز بالإرادة والوعي والتجاوز بخلاف الأشياء الخارجية أو الموضوعات التي هي كائنات متطابقة كليا مع ذاتها.وهو يكتسب باستمرار سمات شخصيته ويغنيها عبر عملية التشخصن.فالشخص ليس معطى نهائيا ناجزا بل هو عملية اكتساب ومراكمة مستمرة لسماته الخاصة.
يذهب كانط إلى تأكيد أهمية الشخص كذات لعقل أخلاقي عملي، يعامل الآخرين لا كوسائل يحقق من ورائها أغراضه الخاصة، وإنما كغايات بذاتها. فالإنسان يتميز داخل نظام الطبيعة عن باقي الكائنات الأخرى بامتلاكه لملكة الفهم، وقد استطاع أن يرسم لذاته غايات وأهدافا مشروطة بنداء الواجب الأخلاقي .فيمكنه أن يتخذ من الأشياء وسائل يستخدمها لتحقيق أغراضه لكن ليس من حقه أن يعامل الأشخاص كوسائل ذاتية نفعية، لأن الإنسان أوالذات البشرية هي غاية في ذاتها وليست وسيلة لتحقيق أغراض الآخرين، وهذا ما يمنحه قيمة داخلية مطلقة ويكسبه احتراما لذاته ويمتلك بذلك كرامته الإنسانية .
أما هيجل فيكشف عن القيمة الأخلاقية للشخص التي لا يمكنها أن تتحقق إلا داخل حياة المجموع، فكل شخص حسب هيجل وانطلاقا من المكانة التي يحتله اداخل الجماعة التي ينتمي إليها عليه الالتزام بواجباته والقيام بدوره والمهام التي أسندت له ... إنها دعوة للانفتاح على الواقع والآخرين من خلال علاقة جدلية أساسها التأثير والتأثر ومعيارها يكمن في السلوك الأخلاقي الذي يصدر عن كل شخص امتثالا للواجب الأخلاقي .
فالشخص يكتسب قيمته الأخلاقية حسب هيجل عندما يعي ذاته وحريته وينفتح على الواقع الذي ينتمي إليه بالدخول مع الجماعة في علاقة تعاون متبادلة امتثالا للواجب.
المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية.
إذا كانت قيمة الشخص تكمن في بعده العملي الأخلاقي أكثر من أي شيء آخر، فهل يعتبر الشخص كيانا حرا مستقلا عن أي إلزام أو إكراه، أم أنه خاضع لضرورات وحتميات لا سبيل لديه للانفلات من رقابتها؟
يرى ديدرو أن الشخص لا يملك الحرية،وأن هذه الأخيرة لا معنى لها لأن الموجه الفعلي لأعمالنا هي الأسباب الفيزيائية الخارجة عن ذواتنا التي ترغمنا للضرورة وليست الحرية.وعلى هذا النحو تكون أفعالنا نتاجا لعاداتنا الأمر الذي يجعلنا نخلط بين الإرادة والحرية.فليست الحرية ما يميز بين الناس،بل إن ما يميز بينهم هو الإحسان أو الإساءة،وهما طبعان لا يمكن تغييرهما لدى الإنسان.
ويذهب سبينوزا إلى اعتبار أن ما يميز الشخص عن باقي الكائنات الأخرى،هو سعيه للحفاظ على بقائه واستمراره،وهو سعي يتأسس على الإرادة الحرة.وليست الحرية هنا بمعنى الجواز،بل إنها تقترن بالفضيلة والكمال،وليس بالعجز أو الضعف،وفق ما تقتضيه قوانين الطبيعة الإنسانية من قدرة على استخدام العقل للتمييز بين الخير والشر،وتفضيل الأول على الثاني.
أما سارتر فينطلق من تقرير أن ماهية الإنسان لا تتحدد قبل وجوده، بل يوجد أولا ثم بعد ذلك يصنع بنفسه ما يشاء، فالإنسان في نظره مشروع يتميز بالتعالي على وضعيته لا بانغلاقه على كينونته، بل ينفتح على العالم وعلى الآخرين . فان ذل هذا فإنما يذل عن مدى قدرته على موضعة ذاته في المستقبل.
فماهية الإنسان لاتتحدد حسب سارتر إلا من خلال وجوده وحياته وأفعاله واختياراته وعلاقاته، يوجد أولا ويلاقي ذاته وهو غير حامل لأية صفات أو ماهية قبلية. إنه شخص حر ومسؤول عن أفعاله واختياراته، فهو حر حرية مطلقة غير مقيدة بموانع وإكراهات .
خاتمة:
وكتخريج عام يلاحظ أن التصورات الحديثة ركزت على اعتبار الشخص ذاتا مستقلة،ومتميزة،ينظر إليها كغاية في ذاتها وكحرية،وليس كبضاعة أو وسيلة وذلك في مقابل التصورات التشييئية للشخص التي كانت انعكاسا لمخلفات الرأسمالية الامبريالية
ذ : الحـــناوي
صيغ مساعدة في منهجية الإنشاء الفلسفي
لفائدة التلميذ - ثانوية الجولان التأهيلية



بالنسبة للمقدمة
تعتبر المقدمة أول خطوة أساسية لصياغة أي موضوع إنشائي، وهذه بعض التعليمات البسيطة المساعدة:
إن غاية المقدمة هي تحديد الموضوع والإعلان عنه. وبما أن التفكير الفلسفي ينطلق من السؤال كطريق أساسي نحو المعرفة ، فانه لابد للتلميذ من طرح الإشكال الفلسفي الذي طرحه نص فلسفي ما أو قولة أو سؤال معين. ولكن لايجوز للتلميذ طرح الإشكال مباشرة قبل التمهيد له بشكل تدريجي ليتمخض عن ذلك سؤال إشكالي. وعليه فالمقدمة تتضمن خطوتين مترابطتين:
- تحديد الموضوع (المفهوم المركزي: الشخص، الغير،الدولة ..) تحديد المفهوم الثانوي وربطه بالمفهوم المركزي والكشف عن ما تفرزه تلك العلاقة من إشكال.
- التعبير عن هذا الإشكال وصياغته في سؤال واضح.....؟
مثال1
يندرج هذا النص(هذه القولة أو هذا السؤال) ضمن مجزوءة الوضع البشري في بعده الفردي المتمثل في مفهوم الشخص بوصفه ذلك الكائن القادر على إدراك وجوده كفرد يتمتع بكيان مستقل ، وأول تمظهرات هذا الوعي يتجلى في حدس صورة الجسد،غير أن الجسد- نظرا لما يتعرض له من تغيرات- لا يتيح للفرد إدراك ذاته كشخص ممتلك لهوية قارة وثابتة. مما يدفعنا إلى طرح الإشكال التالي : كيف يدرك الشخص ذاته كهوية ثابتة ؟ بعبارة أخرى كيف تتحدد هوية الشخص؟
مثال2
إن الإنسان ليس شخصا معزولا، إنه موجود ليعيش مع الآخرين، يقول أرسطو:"الإنسان مدني بالطبع" فالآخرون إذن يوجدون إلى جانب الفرد من اجل تحقيق غايات مشتركة. ثم إن تحليل بعض المشاعر الإنسانية كالحب والكراهية مثلا يدعونا إلى الانتباه إلى أهمية حضور الغير في إحداث هذه المشاعر لدى الشخص. بل يمكن القول إن أفكارنا ولغتنا وممارستنا لا تأخذ معناها إلا أذا افترضنا حضور ذوات أخرى نتوجه إليها ونتواصل معها. مما يثير إشكالا مركزيا حول مدى أهمية الغير ليتشكل وعي الذات بذاتها فهل وجود الغير ضروري لإدراك الذات لذاتها؟
مثال3
لقد تمكن الإنسان عبر تاريخه المعرفي من تجاوز التفكير اللاهوتي الأسطوري، مرورا بالتفكير الميتافيزيقي الى تفكير علمي وضعي (تجريبي) ابتداءا من القرن 17 مع فرانسيس بيكون .فبدأت النظرية العلمية تنضج في مجالي الفيزياء والرياضيات فتحددت كبناء فرضي استنباطي ،على قدر كبير من المعقولية والتماسك المنطقي،متميزة عن النظرية الفلسفية التأملية في أنها ذات محتوى تجريبي تهدف إلى ربط وقائع تجريبية بمبادئ ذهنية. غير أن علاقة النظرية بالتجربة ما تلبث تضعنا أمام إشكالات عدة ترتبط بطبيعة كل من النظرية كبناء ذهني خيالي(رياضي) والتجربة كواقع وكممارسة عملية، مما يدفعنا إلى التساؤل: ما معايير صلاحية النظرية العلمية؟هل هي التجربة أم العقل؟








بالنسبة لمرحلة التحليل.



صيغ للحديث عن الاطروحة:
النص
يدافع صاحب النص عن أطروحة مفادها أن…
يرى صاحب النص…
يؤكد النص على فكرة…
القولة
القولة في مجملها دفاع عن أطروحة…
تدافع القولة عن أطروحة…
تسعى القولة الى إثبات فكرة مفادها…
السؤال الفلسفي
من الواضح ان السؤال الفلسفي يفترض اطروحة مفادها…
يتضمن هذا السؤال الفلسفي لأطروحة مفترضة تقول..


صيغ للحديث عن المفاهيم (البنية المفاهيمية)
لتوضيح فكرته(أطروحته) وظف صاحب( النص أوالقولة) جملة من المفاهيم ابرزها…ممايعني…
من المعروف أن مفهوم (كذا) يفيد…
إذا أردنا الوقوف على مفهوم… سنجد انه يدل على…
نلاحظ حضورا قويا لمفهوم … ويعني…
لكن ما المقصود ب…؟ يقصد به…

صيغ للحديث عن الأسلوب الحجاجي بالنسبة للنص
لإثبات هذه الفكرة استعمل صاحب النص أسلوب.... ليوضح كيف أن...
ولكي يدلل على ...... قارن صاحب النص....
وهنا لجأ صاحب النص الى الاستشهاد ب.... لإبراز....
ويضيف صاحب النص أن......
لنلاحظ كيف استعمل....ليصل الى أن....
بعد أن حدد صاحب النص...... انتقل الى....
اعتمد النص عموما أسلوب....











بالنسبة لمرحلة المناقشة



تدعيم الاطروحة
إذا كان صاحب النص يخلص الى أن..........فإن ( الفيلسوف الفلاني) يدعم هذا التصور مؤكدا أن.......
إنتهينا مع النص الى ان.......الشيء الذي يتطابق وأطروحة (الفيلسوف الفلاني )القائلة.....
يتبين وفق منطق النص أن..... ولعل هذا هو ماذهب إليه (الفيلسوف الفلاني)....
لحد الان نظرنا الى...من زاوية....فماذا لو....؟ .....

انتقاد الأطروحة ودحضها:
ولكن الى أي حد يمكن القبول بهذا التصور كحل لإشكالية ...؟ /هل صحيح أن.../ألايمكن القول أن......؟ اننا بهذه الأسئلة ننفتح على تصور مغاير يقول....
غير ان صاحب النص اقتصر على....دون أن يقدم توضيحا حول....
نلاحظ ان هذه الأطروحة لاتعتمد سوى على....مما يعني ...
نخلص مما سبق ان النص ينتصر لفكرة تقول...ولكن ألا يمكن القول ....؟/هل صحيح أن...؟ بهذه الأسئلة، نتموقع ضمن تصور معارض يرى.....
على النقيض مما سبق، تؤكد (الفلسفة الفلانية أو التصور الفلاني) أن....
يمكن أن نتناول الإشكالية من زاوية أخرى.....


بالنسبة لمرحلة التركيب (الخاتمة)

خلاصة القول ..../حاصل القول.../ بناءا على ما سبق نستنتج أن...
أمام هذه الأفكار المتباينة حول مسألة ....نخلص الى أن...